السؤال: هل المبالغة في تتبع الأوامر والنصائح الطبية كما يقولون: (درهم وقاية خير من قنطار علاج) مخالف للأمر بالتوكل على الله تعالى؟ حتى أصبح كثير من الناس شغلهم الشاغل هو المحافظة على صحة البدن، حتى أشغلهم ذلك عن المحافظة على صحة الروح؟
سؤال مهم طبعاا واليكم الاجابه عليه
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله" مسلم(2664)، وقال الله سبحانه وتعالى: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"[الأعراف: 31]، وقال – صلى الله عليه وسلم-: "تداووا يا عباد الله ولا تداووا بحرام" أبو داود(3874)، والصحة نعمة من نعم الله التي يجب شكرها والاستعانة بها على طاعته سبحانه، فإذا اهتم الإنسان بالمحافظة على صحته، وذلك بتناول الأغذية النافعة، وتجنب أسباب الإصابة بالأمراض وتعاطي أسباب الحمية، وكذلك أسباب الشفاء من الأدواء، ونوى بذلك أن يكون قادراً على القيام بأنواع الطاعات، وقادراً على أداء الواجبات، كان مأجوراً باهتمامه بصحته والمحافظة عليها، وإن أراد بهذا الاهتمام والمحافظة على الصحة مجرد التمتع بذلك والتمتع بما يترتب على الصحة من أنواع اللذات المباحة فلا حرج عليه في هذا، لأن ذلك مما أباحه الله، ولكن لا تنبغي المبالغة بالمحافظة على الصحة، وذلك بالحرص على توفير أنواع الأغذية، وكذلك المبالغة في اتقاء الأدواء، فإن ذلك يورث خوفاً وقلقاً وأوهاماً، فخير الأمور أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط، ولا ينبغي للمسلم أن يعرض نفسه لما يضر بصحته، وأقبح ذلك ما حرمه الله على عباده من المطاعم والمشارب، بل وكذلك لا يجوز التداوي بما حرمه الله لقوله – صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" رواه البخاري تعليقاً في كتاب الأشربة باب شراب الحلواء والعسل، وصححه ابن حجر، انظر الفتح(85/65) كما لا ينبغي للمسلم أن يفرط بالاهتمام بصحة بدنه، وما يظن أنه محقق لذلك من أنواع الأغذية والأدوية، ووسائل الحمية، ولا ريب أنه ينبغي للمسلم أن يهتم بصحة قلبه وروحه، وذلك بتحصيل العلم النافع والعمل الصالح، وتجنب الأسباب المضعفة للإيمان، والموجبة للتقصير بالواجبات، ونوافل الطاعات، أو المؤدية إلى الوقوع في المحرمات، فإن سلامة الدين يجب أن تكون أهم لدى المسلم من سلامة البدن، لأن الإنسان في هذه الحياة لم يخلق ليأكل ويشرب ويتمتع كالبهائم، وإنما خلقه الله لعبادته، فسعادته موقوفة على القيام بعبوديته الله، ولهذا وصف الله الكفار المعرضين عما خلقوا له بأن حالهم كحال البهائم، قال تعالى: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم"[محمد: 12]، وقال تعالى: "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون"[الحجر: 3]، ومن سلامة الدين وأخلاق المؤمنين التوكل على الله في جلب المنافع، ودفع المضار، وتحصيل خيري الدنيا والآخرة، مع فعل الأسباب المشروعة والمباحة من غير اعتماد عليها، إيماناً بأن الأمر كله لله وأن الخير بيده، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأما أهل الإيمان فإنهم يستعينون بنعم الله على طاعته بما أعطاهم الله من الحلال وما يمدهم به من الصحة على الأعمال الصالحة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"[البقرة: 172]، وقال تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم"[المؤمنون: 51]. نسأل الله أن يستعملنا في طاعته، وأن يوفقنا لشكر نعمه، والاستعانة بها على محابه إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم.